كتبت أمينة شريف أن مشاهد غزة اليوم لا تعكس مجرد موت، بل إبادة شاملة تستهدف إلغاء الحياة ذاتها. الأطفال يفقدون أطرافهم، العائلات تُهجَّر قسراً، والمسعفون يدفنون قرب سيارات الإسعاف المحطمة. الفلسطينيون يُقتلون عند مراكز توزيع الغذاء، والصحفيون يُغتالون لأنهم يشهدون على الحقيقة. هذا كله يصوّر منطق الإلغاء، حيث يفرض القصف والجوع والعطش والمرض غير المعالج والصدمة المستمرة تدميراً منهجياً للحياة.

يشير ميدل إيست آي إلى أنّ هذه الإبادة لا تنبع من فراغ، بل من تاريخ طويل من الاستعمار الاستيطاني الذي جعل الموت البطيء سياسة ثابتة. الاحتلال قنّن تدمير البنية التحتية، حرمان السكان من الماء والطعام، وإعاقة العلاج الطبي، ما حوّل غزة إلى مسرح يومي لمعاناة غير مسبوقة. هذا النهج يعيد إنتاج منطق سياسي خطير: بقاء الإسرائيليين يفترض موت الفلسطينيين، والمجتمع الدولي يبرّر ذلك عبر تسويق خطاب "حق الدفاع عن النفس".

ترى الكاتبة أن إبادة الفلسطينيين، الذين جرى تصويرهم غربياً كـ"إرهابيين" أو "حيوانات بشرية"، أسست لقاعدة يمكن توسيعها ضد المسلمين في كل مكان. التجربة الفلسطينية تتحول إلى مختبر عالمي لابتكار تقنيات السيطرة، وقمع الانتفاضات، وتصديرها إلى دول أخرى. منذ الانتداب البريطاني وحتى الاحتلال الإسرائيلي، شكّلت فلسطين موقعاً لتجارب في المراقبة والقمع والشرطة العسكرية. هذه المعرفة انتقلت إلى حروب لاحقة في آسيا وإفريقيا، وصولاً إلى السياسات المعاصرة لمكافحة "التطرف".

توضح المقالة أن التجربة الفلسطينية شكّلت الأساس لمقاربات "مكافحة التمرد" التي جرى توظيفها في الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر. كثير من أدوات الرقابة، المراقبة، والسيطرة على المسلمين في الغرب انبثقت من التجربة الإسرائيلية في إدارة الاحتلال. حتى اليوم يتدرب الجنود الأمريكيون في ميادين محاكاة إسرائيلية تُعرف بـ "غزة مصغرة"، حيث تُصاغ التكتيكات التي تطبق لاحقاً في قمع الاحتجاجات بالمدن الغربية.

وترى شريف أن صناعة السلاح الإسرائيلية ازدهرت عبر استخدام الأراضي الفلسطينية كحقل تجارب. أسلحة وتقنيات مراقبة طُوّرت في غزة والضفة وصلت إلى مسارح إبادة أخرى، من البوسنة إلى ميانمار، وحتى البحر الأبيض المتوسط حيث يموت اللاجئون المسلمون غرقاً. بهذا المعنى تصبح فلسطين مختبراً للتقنيات التي تُستخدم لاحقاً في إدارة وتفكيك المجتمعات المسلمة حول العالم.

وتضيف الكاتبة أن فلسطين لا تنتج فقط الأدوات، بل تؤسس أيضاً "النحو العرقي" للحرب على الإرهاب. منذ سبعينيات القرن الماضي جرى إعادة تعريف "الإرهاب" بحيث يُلصق حصراً بالمسلمين. مع صعود خطاب "الإرهاب الإسلامي" في الثمانينيات والتسعينيات، جرى بناء صورة "الإرهابي الجديد": غير عقلاني، عدمي، يسعى لإبادة "الحضارة الغربية". الانتحاري الفلسطيني أصبح الرمز الأبرز لهذا التصوير، ما رسّخ ربط المسلم بالوحشية المرضية.

هذا البناء أوجد منطقاً مميتاً: حياة المسلم تُعرّف فقط من خلال قابليتها للقتل. القتل يُقدَّم كضرورة لحماية "الحضارة" واستمرار "الديمقراطية". ومع الدعم الغربي المطلق لإسرائيل، يتحول هذا المنطق إلى قاعدة قابلة للتعميم ضد المسلمين عالمياً.

توضح المقالة أن ما يحدث في غزة اليوم ليس شأناً محلياً فقط، بل تجسيداً لـ"منطق نيكرو-سياسي" عالمي. إبادة الفلسطينيين تُقدَّم كشرط للحياة الإسرائيلية، وتُسوَّق عالمياً كحل سياسي وأمني. بذلك يترسخ نموذج يمكن نقله إلى أماكن أخرى حيث يشكّل المسلمون "تهديداً" وفق التصنيفات الغربية.

وتحذر الكاتبة من أنّ استمرار هذا المسار يعني أنّ العنف الذي يعيشه الفلسطينيون اليوم قد يصبح النموذج المرجعي لاستهداف المسلمين في شتى أنحاء العالم. ما يبدأ في فلسطين لا ينتهي فيها، بل يشكّل سابقة خطيرة. ما لم تُكسر هذه المنظومات الفكرية والسياسية، سيستمر العالم في التعامل مع حياة المسلمين باعتبارها غير قابلة للحزن أو الاعتراف، بل مجرد حياة قابلة للإلغاء.

https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-genocide-risks-becoming-model-muslims-targeted-globally